تعتبر المدرسة المعرفية في علم النفس من بين أحدث المدارس المعرفية التي حاولت أن تتجاوز بالخصوص بعض مواطن الضغط في المدرسة البنائية والسلوكية على السواء. فإذا كانت السلوكية في نظرياتها حول التعلم ترى بأن التعلم هو تحويل سجل الاستجابات أو تغيير احتمالات إصدار استجابات هذا السجل تبعا لشروط معينة، حيث تحويل السلوك، المتمثل في تحسين الأداء واستقراره، لا يرجع إلى النضج النمائي بل إلى فعل المحيط الخارجي وآثاره، والنمو ما هو إلا نتيجة آلية. وإذا كانت كذلك النظرية البنائية (التكوينية) مع بياجي ترى بأن النمو المعرفي هو عملية لبناء المعرفة يقوم فيها الطفل بدور نشيط من خلال تفاعله مع المحيط، لكن ما يحكم هذا النمو هي الميكانيزمات الداخلية للفرد، والتي لا تتأثر إلا في حدود نسبية جدا بالعوامل الخارجية، ويتحقق النمو عبر مراحل تدريجية متسلسلة وضرورية (النضج) في شكل بنيات معرفية أكثر فأكثر تجريدا، والتعلم يكون دائما تابعا للنمو، فإن المدرسة المعرفية حاولت تجاوز كل من التكوينية/البنائية/السلوكية في إشكالية أسبقية الذات (النضج) أو الموضوع في عملية التعلم وبناء المعارف.
من أهم المبادئ المؤطرة لنظرية هذه المدرسة في التعلم و النمو نجد:
تعويض السلوك بالمعرفة كموضوع لعلم النفس،إذ ثم تجاوز المفهوم الكلاسيكي لعلم النفس كعلم للسلوك، يركز على دراسة السلوك كأنشطة حسية حركية خارجية و التي يمكن ملاحظتها موضوعياو قياسها في إطار نظرية المثيرو الاستجابة وإقصاء الحالات الذهنية الداخلية، حيث أخذت الدراسات السيكولوجية الحديثة على عاتقها دراسة الحالات الذهبية للفرد، فأصبحت المعرفة هي الظاهرة السيكولوجية بامتياز، لأنها خاصة بالذهن إما كنشاط (إنتاج المعرفة واستعمالها) وإما كحالة ( بنية المعرفة ) فأصبح موضوع على النفس هو المعرفة عوض السلوك، وحيث المعرفة هي تمثل ذهني ذا ت طبيعة رمزية، أي حدت داخلي لا يمكن معاينته مباشرة، بل يمكن الاستدلال عليه و استنباطه من خلال السلوك الخارجي اللفظي أو الحس-حركي. كما أنه من الأفكار الأساسية لهذه المدرسة، كون التفاعل بين الفرد و المحيط خصوصا أثناء التعلم هو تفاعل متبادل، إذ أن السيكولوجيا المعرفية هي سيكولوجيا تفاعلية بالأساس، لأنها تجمع بين بنية للذات و بنية للواقع في عملية معالجة المعلومات، يحول بموجبها الإنسان/الفرد المعطيات الخارجية إلى رموز و تمثلات ذهنية، حيث إن الذهن أو المعرفة تتغير بالمحيط و المحيط يتغير بالمعرفة، حيت ليس هناك معارف بدون سياق واقعي تنتج و تستعمل فيه، وليس هناك محيط دون معارف تنظمه وتعطيه معنى (تدخل الذات). وعليه فإن التعلم و النمو، حسب الإصطلاح الكلاسيكي لعلم النفس، أصبح مع المدرسة المعرفية يسمى باكتساب المعارف، ويتلخص مفهومها للتعلم في: التعلم هو تغير للمعارف عوض تغير السلوك، أي سيرورة داخلية تحدث في ذهن الفرد، التعلم هو نشاط ذهني يفترض عمليات الإدراك و الفهم والإستنباط، التعلم لا يكمن فقط في إضافة معارف جديدة (الكم) بل كذلك في تشكيلها و تنظيمها و تشكيلها في بنيات (الكيف) من قبيل: الفئة، الخطاطة، النموذج الذهني، النظرية...التعلم يكون تابعا للمعارف السابقة، لأنها تحدد ما يمكن أن يتعلمه الفرد لاحقا، التعلم هو نتيجة التفاعل المتبادل بين الفرد و المحيط، حيث المعرفة تتكون و تبنى بفضل نشاط الذات ونتيجة لهذا النشاط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق